فصل: مطلب تفضيل الرجل على المرأة وعدم مقاصصتهن لرجالهن وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} ما خفي عنكم من مصالحكم وما هو الأحسن، والأفضل لكم مما يرفع به شأنكم ويكف الألسنة عنكم {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ} مناهج وشرائع وطرق {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} من الأمم المؤمنة ومثالية الأمم الكافرة لتأخذوا بالأحسن وتجتنبوا الاسوء {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} فيما أصبتموه من الحرام قبل نهيكم عنه ويحذركم من اقترافه بعد التحريم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما يصلح لكم وما تحتاجون إليه في الدنيا وتنتفعون بثوابه في الآخرة {حَكِيمٌ (26)} فيما شرعه وأباحه لكم وحرمه عليكم {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} كرره تأكيدا وزيادة في التحذير والتشويق {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ} وهم الفجرة الذين لا يملكون إرادتهم لضعف إيمانهم وقلة اكتراثهم بأمر دينهم {أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} عما أحل اللّه لكم إلى ما حرم عليكم لتهلكوا وتندموا وتخسروا الدنيا والآخرة {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} تكاليفه التي أثقلت كواهل من قبلكم ولم يشدد عليكم كما شدد عليهم لأنكم أقرب للطاعة منهم، وأرأف على غيركم منهم.
{وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا (28)} لا يتحمل المشاق قليل الصبر لا يقهر قواه، ضعيف العزم لقاء هواه، نحيف البنية لا يستطيع مقاومة الشدة، الشوكة تفعده والحمى تميته، عديم التأني عجولا لما يريد.

.مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

هذا وبعد أن بين اللّه تعالى ما يجب أن ينتهي عنه في النفس شرع في بيان ما يجب أن يجتنب في المال والنشب فقال جل قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} كالربا والقمار والغضب والسرقة والخيانة، وأن تعدوا ما يحصل من ذلك ربحا وهو محرم عليكم تعاطيه وربحه، وهكذا كل ربح حصل من عقد فاسد أو باطل {إِلَّا أَنْ تَكُونَ} الأرباح التي تأكلونها {تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} فيحل لكم أكلها وهذا الاستثناء منقطع لأن أرباح التجارة ليست من جنس الباطل.
وفي الآية دليل على جواز البيع بالتعاطي وجواز البيع الموقوف إذا أجيز لوجود التراضي وعلى نفي خيار المجلس، لأن إباحة الأكل من غير تقييد، وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية 188 من سورة البقرة فراجعه {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أيها المؤمنون كما يفعله بعض الجهلة قليلو اليقين باللّه عند ضيق ذات يدهم أو حدوث أمر يعجزهم تدبيره أو مفاجأة بمعيبة أخرى أو غير ذلك، فإنّ قتل النفس أشد من قتل الغير إثما عند اللّه، لأن من يقتل غيره يوشك أن يتوب ويؤدي ديته أو تعفي عنه ورثته فلا يبقى عليه إلا حق اللّه وهو مبني على المسامحة، واللّه أكرم مرجوّ أن يعفو عنه بعد أن عفا عنه عبده واللّه سبحانه أكرم منه، أما قتل النفس فلا يتيسر فيه شيء من ذلك روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
ورويا عن جندب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال اللّه تبارك وتعالى، بدرني عبدي بنفسه، وفي رواية استعجل عليّ عبدي حرمت عليه الجنة، ولهذا قال كثير من الأئمة لا يصلى عليه، وقال أبو حنيفة يصلى عليه لأنه مؤمن مذنب وهو أحوج من غيره للدعاء، والأول الذي مشى عليه غيره أولى لما سبق في معنى الحديثين المارين وما سيأتي بعد هذا، ومن قتل غيره فقد تسبب لقتل نفسه لأنه قد يحكم عليه بالقصاص، ومن أكل المال بالباطل فقد أهلك نفسه لما فيه من الوعيد الشديد، فكأنه قتلها أيضا، وقد بينا ما يتعلق في هذا في الآية 179 من سورة البقرة المارة {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} يا أمة محمد ولم يزل كذلك، لأنه ينهاكم عن كل ما يضركم ويأمركم بكل ما ينفعكم دنيا وأخرى، ومن رحمته أن جعل توبتكم الندم وتوبة غيركم القتل {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا} تجاوزا على اللّه {وَظُلْمًا} لنفسه قصدا لا خطأ ولحق ما، فيأكل المال بالباطل الذي مر ذكره في الآية 189 من البقرة ويقتل نفسه جزعا {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا} في الآخرة {وَكانَ ذلِكَ} الإحراق فيها {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} هيّنا سهلا لأن تنفيذ أوامره جارية بين الكاف والنون ولا أيسر من لفظ كن.
الحكم الشرعي: قتل النفس من الكبائر، وقاتل نفسه عاص فاسق لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأن اللّه تعالى جعل عقابه الخلود في النار ولما جاء في تيسير الوصول عن جابر بن مرة أن رسول صلّى اللّه عليه وسلم أخبر برجل قتل نفسه فقال لا أصلي عليه وللحديثين المارين المصرحين بخلوده في النار والخلود من خصائص الكافرين، هذا هو الصحيح.
وقيل إنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين مع القول بفسقه وعصيانه، وأمره إلى اللّه.
أما قاتل نفسه خطأ فلا خلاف في جواز غسله والصلاة عليه وكذلك في شبه العمد.
وليعلم ان تشديد العقاب على قاتل نفسه عمدا لأنه ناشيء حقدا عن عدم ثقته باللّه ووثوقه بوعده ولأنه لا يقين له باللّه، ولهذا البحث صلة في الآية الثانية من سورة الطلاق الآتية.
قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} من كل ذنب عظيم قبحه وكبرت عقوبته واستوجب الحد في الدنيا والعذاب بالآخرة وهو ما ختمه اللّه بنار أو عذاب أو غضب أو لعنة وعد قتل النفس في الموبقات على ما رواه الشيخان من قوله صلّى اللّه عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات) الشرك باللّه والسحر وقتل النفس التي حرمها اللّه إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، فإذا اجتنبتم هذه وما شاكلها أيها الناس {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} الصغار وهي مالم يكن على فاعلها حد في الدنيا ولم تستوجب العذاب بالآخرة ما لم تفترن بإحدى العقوبات الأربع المارة، لأن الحسنات تكفرها وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفّارات لما بينهن- أخرجه مسلم-.
وقد تكون الكبائر والصغائر بنسبة مرتكبها على حد حسنات الأبرار وسيئات المقربين، وفي هذا المعنى يقول القائل:
لا يحقر الرجل الرفيع دقيقة ** في النهي فيها للوضيع معاذر

فكبائر الرجل الصغير صغائر ** وصغائر الرجل الكبير كبائر

وهذا من حيث المعنى على حد قول الآخر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكريم المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائم

أما عند العارفين في الكبائر ما ذكرها ابن الفارض بقوله:
ولو خطرت لي في سواك إرادة ** على خاطري سهوا حكمت بردتي

وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 38 من سورة الشورى ما به كفاية وما ترشدك إليه من المواضع {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} في دار كرامته التي لا أكرم منها.
قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} من مال أو جاه أو زوجة أو ولد لأن ذلك قسمة من اللّه خص بها من شاء من عباده صادرة عن حكمته وتدبيره وعلمه بأحوال الناس، وهذا تأديب أدب اللّه به عباده وتهذيب لأخلاقهم وتبرئة لهم من داء الحسد الذي هو مهضمة للجسد في الدنيا مهلكة له في الآخرة.
فعلى الإنسان أن يرضى بما قسم له ربه ويقنع بما عنده فالقناعة كنز لا يفنى.
واعلم أن التمني على قسمين حرام وهي تمني زوال نعمة الغير عنه وضمها له، وهذا هو الحسد بعينه وفيه اعتراض على اللّه تعالى، وفيه يقول القائل:
وأظلم خلق اللّه من مات حاسدا ** لمن بات في نعمائه يتقلّب

وقول الآخر:
ألا قل لمن بات لي حاسدا ** أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على اللّه في فعله ** لأنك لم ترض لي ما وهب

وقول الآخر:
كل العداوات قد ترجى إزالتها ** إلا عداوة من عاداك في حسد

وجائز وهو أن يتمنى لنفسه مثل الذي عند غيره من الخير مع بقائه له، وهذه الآية عامة في كل تمن مشروع، وإن كانت نزلت بصدد آية المواريث بتخصيص الرجل ضعفي المرأة من الميراث، لأن العبرة لعموم اللفظ، ولما قال الرجال إنا لنرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث، وقالت النساء إنا لنرجو أن يكون وزرنا على النصف من وزر الرجال كالميراث، نزل قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} أجرا ووزرا {وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} أجرا ووزرا بحسب الأعمال لا بحسب الإرث {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} أن يمنّ عليكم كما من على غيركم ولا تتمنوا ما أعطاه لغيركم، وفيها تنبيه على استحباب الدعاء وطلب الفضل المطلق من اللّه، لأنه جل شأنه لم يأمر بالمسألة إلا ليعظم الأجر ويعطي ما هو الأصلح بعده من غير أن يعين شيئا.
وفيها إشارة إلى أن لا علاقة للمال بالأعمال، ولا العقيدة بالرزق، فقد يرزق الحقير ويحرم الخطير، ويرزق الشقي ويحرم التقي ويرزق الضعيف ويحرم القوي لا يسأل عما يفعل {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} ولم يزل كذلك كما كان من قبل وإنه بمقتضى علمه يعطي كل سائل ما يصلحه.
{وَلِكُلٍّ} من مال أو تركة {جَعَلْنا مَوالِيَ} وارثين يلون أشياء {مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} من عقود الموالاة وهي مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة رضوان اللّه عليهم، ومعناها هو أنه إذا أسلم رجل وامرأة لا وارث لهما وليس بعربي ولا معتق فيقول أحدهما للآخر واليتك على أن تعقلني إذا حييت وترثني إذا متّ، ويقول الآخر قبلت، فينعقد هذا الولاء بينهما ويرث الأعلى من الأسفل، وكان لهذه المعاقدة أصل في الجاهلية على النصرة والزيادة والنصيحة، ولهذا قال تعالى: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} الذي عاقدتموهم عليه لأن اللّه أمر بإيفاء العقود كلها الموافقة لشريعته التي سنها لعباده، والآية محكمة، ومن قال إنها نسخت بآية {وَأُولُوا الْأَرْحامِ} الاخيرة من سورة الأنفال المارة فقد أخطأ المرمى، لأن آية الأنفال نزلت قبل هذه، والمقدم لا ينسخ المؤخر {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)} سواء استشهدتم أحدا عليها أو لم وكفى باللّه شهيدا، ومن جملة الأشياء المعاقدة، فيجب الوفاء بها كسائر العهود.

.مطلب تفضيل الرجل على المرأة وعدم مقاصصتهن لرجالهن وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

وقال تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} بما خصهم اللّه تعالى من الكمال فجعلهم قيّمين عليهن لزيادة عقلهم وحسن تدبيرهم وهذا من معجزات القرآن العظيم لأنه قبل ترقي علم الجراحة والتشريح لم يكن أحد يعلم أن دماغ الرجل يزيد على دماغ المرأة 120 غراما، وهذا من جملة مكنونات القرآن الناطق بقوله تعالى: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية 39 من سورة الانعام ج2 ثم بين بعض سبب هذا القيام بقوله: {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ} أي الرجال {عَلى بَعْضٍ} أي النساء في العقل الثابت حسا والدّين لما يعتريهن من النقص في الحيض والنفاس بصلاتهن وصيامهن وفي الولاية كالقضاء والإمارة والولاية على القاصرين أصلا وعلى النكاح وفي الشهادة، لأنهن على النصف من الرجال، وفي الإرث كذلك وعدم كونهن عصبة بأنفسهن بل مع الغير إلا المعتقة، وفي الجهاد لأنهن لا يباشرنه أصالة، وحضور الجمعة والجماعات والشورى والإمامة والنسب لأن أولادهن ينسبون لآبائهم، وفي النكاح والطلاق والرجعة والعزم والحزم والقوة والتكبير وغير ذلك.
{وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} يكون لهم الفضل عليهن أيضا من المهر قبل العقد والنفقة بعده، فلهذه الأسباب علوا على النساء وسلطوا عليهن أيضا عند الاقتضاء لتأديبهن والأخذ على أيديهن والقيام بمحافظتهن.